الأربعاء، 5 نوفمبر 2008

أوباما والذيل اليهودي بقلم د. أحمد خالد توفيق

منذ بضعة أسابيع قلت إن فوز ماكين بالانتخابات شبه مؤكد، واستندت في هذا إلي رأي مفكرين كبار قالوا إن أمريكا ليست مهيأة بعد لرئيس أسود أو رئيس امرأة، وإنه في ساعة الجد سوف يتم انتخاب الأبيض الانجلوساكسوني البروتسنتانتيWASP.. أي «ماكين» باختصار شديد. طبعًا كان هذا قبل الأزمة الاقتصادية وسارة بالين وعوامل أخري كثيرة جعلت فرصة أوباما شبه مؤكدة في الفوز، ما لم تحدث معجزة أو يتورط أوباما في فضيحة جنسية خلال هذه الفترة القصيرة. الخلاصة أن الاعتراف بالحق فضيلة بلا شك..
غير أن أوباما نفسه مقلق .. ها هي ذي الانتخابات لم تبدأ بعد والرجل يبذل الوعد تلو الوعد لإسرائيل في سخاء، حتي وصفه روبرت فيسك ساخرًا بأنه «يبدو كأنه يرشح نفسه للكنيست الإسرائيلي لا رئاسة الولايات المتحدة»». ربما أكون مخطئًا كالعادة، لكن هل فيسك يتكلم بما لا يعلم؟كبرهان علي هذا الكلام، ظهر مؤخرًا إعلان لحملة أوباما منشورًا في موقع أمازون ضمن إعلانات مدفوعة عن كتاب «اللوبي الإسرائيلي». اضطر أوباما لرفع هذا الإعلان بعد ما كتب عنه محرر نيويورك صان. أكد أوباما أن الإعلان ظهر هناك بطريق الخطأ .. لم يقرأ الكتاب لكن ما سمعه عنه يجعله لا يتفق مع مؤلفيه. مذعورًا أكد أن له وجهة نظر مختلفة عن الكتاب وأنه يؤمن بمساندة إسرائيل بلا حدود .. وهو يري أن ما يقال عن كون مساندة إسرائيل تسيء لسمعة أمريكا كلام فارغ.. هكذا يؤكد أوباما ما قاله فيسك من قبل..مع الانتخابات الأمريكية يكثر الكلام عن اللوبي اليهودي في أمريكا. لفظة لوبي في حد ذاتها مشتقة من رواق Lobby البرلمان البريطاني الذي كان الأعضاء يجتمعون فيه قبل المجادلات البرلمانية. وحجم هذا اللوبي اليهودي يتراوح بين كونه يدير مصائر العالم من خلف الستار في ضوء الشمعدانات السباعية، وبين كونه غير موجود علي الإطلاق كما يري البعض. هل إسرائيل تحرك الولايات المتحدة بيد قادرة اسمها اللوبي اليهودي ؟ أم أن إسرائيل هي نفسها يد الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ، تنفذ سياستها بكفاءة وقدرة كما يري «هيكل»؟الانتخابات الأمريكية تعيد هذا السؤال للأذهان، وقد تذكرتْ قناة الجزيرة ذلك الكتاب المهم «اللوبي الاسرائيلي» الذي كتبه ميرشايمر ووالت عن اللوبي الاسرائيلي، وصدر عام 2007 كتطوير لورقة بحثية صدرت عام 2002. الأول أستاذ علوم سياسية في شيكاغو، ومعارض عنيف لحرب العراق و له مقالان مهمان عنها هما «الحرب غير الضرورية» و«إبقاء صدام في الصندوق»، وكرر في كل مناسبة أن الحرب علي العراق هدفها الأوحد جعل إسرائيل أكثر أمنًا. الثاني أستاذ علاقات دولية في هارفارد. من حين لآخر يجرؤ مثقف في العالم الغربي علي أن يعلن أن الامبراطور عار تمامًا .. طبعًا يتحدي بذلك تهمة معاداة السامية الجاهزة لتطير الأعناق وتقطع الأرزاق. وحتي اليهود الذين ينتقدون إسرائيل يصير اسمهم «اليهود الذين يكرهون أنفسهم». حتي استعمال مصطلح اللوبي الإسرائيلي نفسه يتهمك بمعاداة السامية.هذا الكتاب يقول باختصار إن مجموعة المصالح التي تشكل اللوبي الاسرائيلي تدفع الولايات المتحدة دفعًا إلي تشجيع الجرائم ضد الفلسطينيين ومعاداة سوريا وإيران وتجاهل الولايات المتحدة لمصالحها الجوهرية. هو لوبي مثل أي لوبي آخر يهدف لمصلحة أعضائه، لكنه يفعل ذلك بكفاءة عالية جدًا. وهذا اللوبي أقنع الشعب الأمريكي أن مصالح إسرائيل ومصالح الولايات المتحدة هما نفس الشيء. إن منظمة «إيباك AIPAC» أو لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية تسيطر بقوة علي الكونجرس، مع 34 مؤسسة سياسية أو اقتصادية مما يمنح اللوبي قوة غير معتادة، مسلحًا بتهمة معاداة السامية، لكن هذا اللوبي لم يستطع غزو الساحات الأكاديمية علي كل حال، برغم أن اللوبي يراقب بعناية أبحاث وكلام أساتذة الجامعات. ويجب أن نتذكر أن جامعة هارفارد أصرت علي محو شعارها من أية نسخة من هذا البحث، كما أبرزت بوضوح أن الدراسة تعبر عن رأي كاتبيها ولا علاقة لها بها.ليس اللوبي مكونًا من اليهود فقط، بل يتضمن عددًا هائلاً من المبشرين الإنجيليين ومنهم بات روبرتسون ورالف ريد. هؤلاء يؤمنون بأن إسرائيل نبوءة إنجيلية لابد أن تتحقق، والعرب الأوغاد يمنعون تحقق هذه النبوءة. هناك كذلك شبكة من الإعلاميين اليهود في وسائل الإعلام. ومعظم رجال اللوبي يؤمنون بسياسات حزب الليكود ولهم دور بالغ الأهمية في تحريك الحرب علي العراق. بالتالي أمريكا تحارب وتعاني وتدفع من أجل إسرائيل حاسبة أن هذه مصلحتها. إسرائيل تلقت مساعدات قدرها 140 مليارًا منذ الحرب العالمية الثانية وهي أكثر طرف ينال مساعدات أمريكية في العالم، دعك من أنها الطرف الوحيد الذي ليس عليه أن يبرر أوجه إنفاق المعونة.. يعني هي حرة تمامًا. ومن أجل إسرائيل استعملت الولايات المتحدة حق الفيتو 32 مرة منذ عام 1982 حتي اليوم.هذه العلاقة أفسدت تمامًا علاقات أمريكا مع العالم العربي «هذا صحيح لكن علي مستوي الشعوب طبعًا» برغم أن إسرائيل عبء حقيقي علي أمريكا.. طفل مزعج قد تضطر أمريكا إلي تركه في البيت حتي لا يحرجها كما حدث في حرب الخليج الثانية.هذا ما قاله الأستاذان الأمريكيان.. بذكاء تجنبا استعمال لفظة «لوبي يهودي» وفضلا استعمال «لوبي إسرائيلي» حتي تنتقل الإيحاءات إلي السياسة لا الدين، وهما يذكران الحقيقة المعروفة: أمريكا ليست حليفة إسرائيل ضد الإرهاب، بل هي تواجه الإرهاب لأنها حليفة إسرائيل!. سجل إسرائيل في الإبادة العرقية ليس أكثر نصاعة من أعدائها.. وشامير الإرهابي الذي اغتال «فولك برنادوت» وسيط الأمم المتحدة للسلام، صار رئيس وزراء إسرائيل وقال بوضوح تام: اليهودية لا ترفض الإرهاب كسبيل للصراع.هناك من امتدح الكتاب باعتباره دعوة للصحوة أو «مكالمة إيقاظ»، وأقر ساسة كثيرون منهم برجينسكي بصحة هذا الكلام . قال أحدهم : «لن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط ما لم تنظر أمريكا بصراحة لحقيقتها المذكورة في هذا الكتاب المحزن». وقال أحدهم: «البحث يتضمن الكثير مما هو حقيقي والقليل مما هو جديد..». عامة دعا مشجعو الكتاب إلي نبذ تهمة معاداة السامية الجاهزة .. لا مشكلة في انتقاد إسرائيل إذا كان المنتقد لا يسلب إسرائيل حقها في الوجود. يقول آخر: «الحملة المسعورة علي الكتاب دليل آخر علي أن كلامه صحيح..»يقول جوزيف مسعد أستاذ السياسة العربية في جامعة كولومبيا: هل اللوبي الإسرائيلي قوي فعلاً؟.. لقد واجهت قوتهم المروعة ومحاولاتهم لطردي من الجامعة، لذا أجيب: نعم.. لكن هل اللوبي يتحكم في سياسة أمريكا نحو الفلسطينيين؟.. أقول لا.. أمريكا سياستها استعمارية أصلاً .. وهي لا تساند من حركات التحرر إلا ما يناسب سياستها..أما من هاجموا الكتاب فقالوا إنه مجرد تنويع علي نظريات المؤامرة البلهاء المعتادة.. إن فرضية أن الذيل اليهودي يحرك الكلب الأمريكي تبسيط لا تتحمله الأمور. أحدهم قال: هذا يفترض أنه لو تخلت أمريكا عن سياستها المساندة لإسرائيل لأعلن بن لادن التوبة، وعاد ليعمل في المقاولات مع أسرته!. من الغريب أن من ضمن معارضي الدراسة «ناعوم تشومسكي» نفسه الذي رأي أن البحث انتقائي جدًا. قالوا كذلك إن الكتاب ابتزاز أخلاقي وإن البترول وليس اسرائيل هو ما يحرك سياسة أمريكا في المنطقة. هذه نقطة رد عليها المؤلفان بسهولة: لو كان هذا هو الحال لساندت أمريكا الفلسطينيين ولكانت صديقة إيران الحميمة.هناك بالطبع لوبي عربي في أمريكا.. تصور هذا!.. البداية هي الرابطة القومية للعرب الأمريكيين NAAA التي تكونت عام 1972، ثم ظهرت جمعيات أخري كنتيجة للكراهية المتزايدة ضد العرب مع حرب 1973 وحظر البترول. قال جيمس زغبي إن اللوبي العربي يعاني مشاكل في التنسيق والانتخاب .. بالأحري هو غير موجود تقريبًا.الانتخابات الأمريكية علي الأبواب، وسوف نري ونسمع .. لكن سياسة أمريكا ثابتة تجاهنا ولن تتغير ما لم نتغير نحن، سواء هز الكلب الذيل أم هز الذيل الكلب.