الخميس، 26 فبراير 2009

عن النعناع وقناوي والفوضى (للدكتور احمد خالد توفيق)


الراجل دة يا جدعان بيعرف يجيب الكلمة من الشمخ الجوانى على رأى ابو رنة كبير الاتية فى فيلم الكيف اقروا المقالة دية

بائع النعناع العجوز يدفع سيارته في أحد الشوارع قرب مديرية الأمن، فتستوقفه سيارة بيجو بيضاء بها بعض الرتب، وينتقي ركابها بمعونة السائق المجند ربطات عديدة مكتنزة من النعناع النضر طيب الرائحة، ويشتمون البائع طالبين أكياسًا يضعون فيها ما أخذوه، ثم بلا كلمة أخرى تنطلق السيارة التي تعالت منها الضحكات، ليقف البائع وحده وقد اختفى نصف بضاعته .. دنوت منه فرأيت دموع القهر والغيظ في عينيه، وهو يردد لنفسه: ـ"عاملين لي فيها بهوات .. ده قوت عيالي يا كفرة .." تأمل معي الموقف.. لا أعتقد أن وزارة الداخلية تأمر ضباطها بسرقة النعناع، وكمية النعناع على هذه العربة لن يزيد ثمنها على خمسة جنيهات لن ترهق هؤلاء، لكن خمسة الجنيهات هذه تمثل للرجل رأس ماله بالفعل. هكذا بلمسة بسيطة صار هذا البائع المسن من أعداء الداخلية، والسبب تصرف غير مسئول من بعض البكوات، ورغبة في فرض القهر والسيطرة على رجل لا خطر منه.. بالفعل هناك تجاوزات كثيرة من رجال الشرطة، بعضها بسيط مثل عدم دفع ثمن النعناع وبعضها يصل لدرجة إلقاء المتهم من الطابق الثالث، وقد كنت أجلس في (ميكروباص) بين المحافظات يقف جوار قسم شرطة شهير جدًا في القاهرة، فسمعت السائق يقول لأمين الشرطة المحتج على وقوفه هنا: "الميكروباص ده بتاع فلان بيه" .. لم يبد الأمين أية دهشة . فقط تساءل: "مش ده بتاع علان باشا ؟" فاتضح من كلامهما أن كل واحد من البهوات يشمل برعايته مجموعة خاصة به من الميكروباصات معروفة ولا يسمح لأحد بأن يتصدى لها، والمقابل معروف طبعًا. هذا كلام يعرفه الجميع لكنك لا تستطيع إثباته، وأية محاولة لذلك سوف تنتهي بك في السجن.