الخميس، 14 أغسطس 2008

د. أحمد خالد توفيق(الفداوية ومصطفى العقاد: هل للحشيش دور فيما يحدث ؟


مات مصطفى العقاد بعد ساعات من موت ابنته .. العقاد الذي قدم للعالم - منتجًا ومخرجًا – فيلمي (الرسالة – 1976) و(أسد الصحراء – 1980) واضعًا العرب والإسلام في موضع مشرف بارز على خارطة هوليوود، مع حلم لم يتحقق بأن يجد ممولاً لفيلم (صلاح الدين)، تلك المحاولة التي أحبطها عرض فيلم (مملكة السماء) لريدلي سكوت. . وبالنسبة للأمريكيين هو الأب الروحي لأفلام (هالوين) التي قدم الحلقة الأولى منها مع (جون كاربنتر) أهم مخرج رعب معاصر، وهي أفلام خرقت الرقم القياسي في نسبة التكاليف إلى الربح حتى صار العقاد ظاهرة إنتاجية جديرة بالدراسة، ومن ثم انهالت استطرادات (هالوين). ولد في سوريا عام 1935، وهاجر للولايات المتحدة في سن التاسعة عشرة ليدرس الفنون المسرحية في كاليفورنيا. وابنه منتج ومخرج هوليوودي مهم هو (مالك العقاد).
الآن حاول ان تنسى العقاد وأغمض عينيك وتخيل معي .. أنت شاب متدين يؤمن بالإسلام وفضيلة الجهاد ضد أعداء الدين والوطن .. وأنت على استعداد تام للتضحية بروحك من أجل هذا الهدف النبيل. كل هذا جميل .. والآن ما هو المنطق العبقري الذي يقنعك بأن العدو ليس هناك نحو الشرق، بل هو هنا بين أهليك وذويك والذين يصلون معك في ذات المسجد ؟ .. إن أعداءك لا يحملون اسم (ليفي) و(عموتاي) بل (محمود) وفاطمة) .. كيف يقنعونك بأن ترتدي الحزام الثقيل تحت ثيابك، وتتجه إلى حفل زفاف أو محطة أتوبيس، ثم تأخذ نفسًا عميقًا وتتلو الشهادتين ثم تشد الفتيل؟ .. وبعدها ؟ .. لو لم تجد الحور العين بل خزنة جهنم في انتظارك فلسوف تعرف متأخرًا جدًا أنك شربت مقلبًا خرافيًا ..
لكن الأمر لن يختلف بالنسبة للباقين هنا، وسوف تزف مواقع الإنترنت الخبر للأمة في فرح، كأنها تعلن عن العرض الأول لفيلم ديزني الأخير ..
ما هو المنطق ؟ .. ماذا قالوه لك وكيف أقنعوك بأن تبدد حياتك وهي الشيء الوحيد الذي تملكه، ومن أجل قضية يعرف كل طفل أنها خاسرة ألا وهي قتل مجموعة من البسطاء في حفل زفاف ؟.. إن كان هناك منطق يقنعك بعمل هذا فهو جدير بمعرفته لأنه هو السحر بعينه، وإن لم يكن هناك منطق محطم فالأمر جدير بالدراسة ..
بعد تفجيرات الأردن الأخيرة التي راح ضحيتها كثيرون منهم المخرج العظيم مصطفى العقاد وابنته، تداعى إلى ذهني ما حكاه (ماركو بولو) عن حديقة (النزارية) التي أنشأها الحسن بن الصباح في منتصف القرن الحادي عشر وقلعة الموت بخراسان. وقد كون هذا الرجل جيشًا من الانتحاريين الذين أطلق عليهم اسم (الفداوية) جعلهم تحت سيطرته بمزيج من المنطق القوي وتأثير كيماوي لنبات اكتشفه هو (القنب الهندي) أو ما نطلق عليه (الحشيش). وقد زار أحد أتباع الخليفة القلعة التي تتمركز فيها قوات الصباح، فأراد الصباح أن يعرض عليه قدراته وأمر أحد أتباعه بأن يقتل نفسه.. استل الرجل خنجره ومزق به أحشاءه بلا مناقشة ..
كان الصباح طموحًا .. طموحًا إلى حد مرضي، وكان يصبو إلى انتزاع سلطات صديقه الوزير (نظام الدين)، فذهب إلى مصر ليدرس المذهب الإسماعيلي في منبع الفاطمية، ثم عاد إلى إيران ليدعو لمذهبه الجديد (النزارية) حيث ينشئ قلعته التي عرفت بـ (قلعة الموت)، مع جيش عرمرم من الفداوية الذين يرسلهم لذبح كل خصومه من رجال الدولة .. بل إنه غرس خنجرًا إلى جوار سرير السلطان ليخبره ان بوسعه قتله متى شاء. والطريف أن من كان يسقط من الفداوية في يد الشرطة كانوا يجدون معه عقد تمليك لقصر زمرد أو مرمر من قصور الجنة ! وقد أعلن نائبه في منتصف شهر رمضان أن القيامة قد قامت الآن وأن على الأتباع أن يفطروا.. والغريب أنهم صدقوه وتأثروا بشدة وأفطروا فعلاً!
للحق نقول: لم يكن الصباح مجرد زعيم عصابة، بل كان فيلسوفًا يكتب الحجج مناقشًا الإمام الغزالي ألد خصوم مذهبه .. وكان يقول لأتباعه: "إياكم والكلام في بيت به سراج".. معنى هذا أن هذا البيت فيه عالم يجيد النقاش والجدل ! وقد انتشر خطر الفداوية حتى قيل إن الرجل لو لم يعد لبيته بعد العصر فإن بوسع أهله تلقي العزاء فيه !...
تتداعى للذهن هذه القصص هذه الأيام بالذات وبعد تسعة قرون.. ومن جديد نتساءل: هل المخدرات تلعب دورًا في هذه العمليات المجنونة ؟.. هل في تنظيم القاعدة حسن بن الصباح آخر يخضع أتباعه بالحشيش ليفعلوا أي شيء يطلبه ؟
هذا الاحتمال لم يُطرح من قبل لكنه المنطق الوحيد الذي يمكن به تفسير أن يفجر المرء نفسه في حفل زفاف في الأردن أو مطعم في بغداد أو محطة أتوبيس في شبرا .. بينما لا يمس الأمريكيين، حتى قيل إن معدل وفيات الأمريكيين في العراق أقل ممن يموتون في وطنهم بسبب حوادث المرور .. والنتيجة هي أن الحرب في العراق من عوامل إطالة العمر !!
لايعرف الفداوي الذي فجر نفسه في الأردن أنه قتل مصطفى العقاد .. وبالطبع لا يهمه أن يعرف، فبالنسبة له الفن هذيان. هؤلاء قوم يمقتون الحياة ذاتها فكيف يهتمون بشيء رقيع ومضيعة للوقت كالفن ؟.. لكن هذا الفداوي لا يعرف أنه فعل ما فعله هاملت عندما وجه الطعنات من وراء ستار فقتل صديقًا .. لقد قدم فيلما (الرسالة) و(عمر المختار) خدمة للإسلام تفوق مائة من (ابن لادن) وأمثاله عندما تكلم بتلك اللغة العقلانية الراقية عن دين عظيم. والمضحك والمبكي أن هذه القوة الناعمة العبقرية هلكت على يد واحد يزعم أنه يدافع عن نفس القضية. لقد صمت صوت مدافع عن الإسلام على يد من يزعم أنه يحمي الإسلام .. ومن جديد نتساءل: هل للمخدرات دور في هذا الذي يحدث ؟